صدر في دبي عن دار مداد للنشر والتوزيع الإماراتية كتاب جديد للأديب العراقي الراحل حسن مطلك (1961-1990) صاحب رواية (دابادا) المعروفة، الذي شنقه النظام العراقي السابق عام 1990 بتهمة الاشتراك في محاولة لقلب النظام، ويحمل هذا الكتاب عنواناً رئيسياً هو (الكتابة وقوفاً) وعنواناً فرعياً (تأملات في فن الرواية)، وقد قام بإعداد وتقديم هذا الكتاب الروائي الدكتور محسن الرملي، شقيق المؤلف، ويحتوي هذا الكتاب على آراء وتأملات وتنظيرات حسن مطلك بما يتعلق بالفن الروائي، فعلى مدى 180 صفحة يتناول بخصوصية في الرؤية والأسلوب أهم عناصر البناء الروائي كالزمان والمكان والشخصيات واللغة والراوي والواقعي والخيالي والتكنيك وغيرها، ويعيد فتح الأسئلة المتعلقة بالأدب عموما وبالرواية على وجه الخصوص؛ "ما هي الكتابة النثرية؟ لماذا نكتب؟ مَن هو الكاتب الحقيقي؟ ما جدوى الكتابة الأدبية؟ كيف يمكن الربط الإدراكي بين الحياة في النص والحياة كما هي؟ لمن نكتُب؟ مَن القارئ؟ ما القراءة؟". قائلاً: "إنني أتوخى أن أصل إلى علم للرواية من خلال فهم تفاصيلها. متى وكيف ولماذا عليّ أن أستخدم هذه الجُملة وقياساً إلى أي زمن؟". كما يكشف عن آراء مغايرة حيال كبار الكتاب كويليام فوكنر وغارثيا ماركيز وهنري ميلر وبكيت وغيرهم، ويقول الدكتور محسن الرملي بأن هذا الكتاب "هو ورشة تفكير جاد لكل قارئ وناقد وكاتب يتعامل بجدية مع الفن الروائي"، وبأن "حسن مطلك قد بدأ بكتابة هذا الكتاب حال انتهائه من روايته المعروفة (دابادا)، ولم ينهه، لأن حياته قد انتهت بإعدامه، وبلا شك فإن تجربته في إعادة كتابة (دابادا) خمس مرات، هي التي دفعته فكان يدون أفكاره ويقرأ ويعيد مناقشة أفكار غيره، بالتوازي مع مواصلته لكتابة نصوصه الأخرى ومنها روايته (قوة الضحك في أورا). كان يشغله الصدق مع النفس ومع الكتابة، فهو القائل: "أنا والكتابة شيء واحد". وها هو عبر هذا الكتاب، يدلل لنا على ذلك: "لو كان الأمر يتعلق بمشكلات اللغة ونظامها المعقد لأمكننا أن نجد عشرات المقاييس المنطقية التي افتُضِحت بجهود (سوسير) وغيره، ولكنها تتعدى ذلك إلى الفعل المصيري للكتابة، أن تُفنى حياتنا في مشكلات (الرواية) حصراً". "فالروائي الحقيقي هو الذي يضع احتمالات وحلولاً روائية لحياته، لسلوك زوجته، يطرق باب الجيران على طريقة زوربا، يعشق على طريقة بتشورين، ويصعب عليه الفصل بين ما يَكتُب أو يَقرأ وما يعيش".
يبدو ما دونه هنا بمثابة مدخل لما كان يأمل التأسيس له، (الواقعية المُطلَقَة)، فيعلن عما أسماه: "مشروع لبيان فردي ضد مناهج القرن التاسع عشر الأدبية". ويُسمي ما قام به: "تأملات" عن وعي وإدراك، فيقول: "إني لأرجو أن تكون تأملاتي قابلة للدحض، مع ذلك لن أرفض التأييد". وهي تأملات تستحق منا تأملها بكل جدية وطرحها للنقاش.
ويضيف الدكتور الرملي بأن "هذا النص يشبه الاستماع إلى حسن مطلك وهو يفكر بصوت عالٍ، كما يمكن قراءته والتمتع به وبلغته كنص أدبي، نص روائي يسرد حكاية تفكير داخل جمجمة روائي، ننفد من خلاله إلى أعماق شخصيته الرئيسية وهي كاتب اسمه حسن مطلك. إنها (رواية تفكير) مدوَّنة بكل صدقها وقلقها وعمقها، بلغة أدبية وبتقنية يتطابق شكلها مع مضمونها".
يذكر بأن حسن مطلك هو كاتب ورسام وشاعر عراقي. ويعد واحداً من أهم الأصوات الأدبية الحداثية التي برزت في العراق في ثمانينيات القرن العشرين. ولد سنة 1961 في قرية سُديرة بشمال العراق، وحاصل على شهادة البكالوريوس في التربية وعلم النفس من جامعة الموصل. حاز على الجائزة الأولى لقصة الحرب سنة 1983 عن قصته(عرانيس) والجائزة التقديرية سنة 1988 عن قصته (بطل في المحاق) ثم نشر روايته الفريدة (دابادا) والتي تعتبر قمة أعماله الأدبية. أُعدم شنقاً بتاريخ 18/7/1990 الساعة السابعة مساءً، لاشتراكه في محاولة لقلب نظام الحكم. حيث راح يصفه بعض المثقفين إثر ذلك بأنه (لوركا العراق)، وبعد وفاته قام شقيقه الأصغر الروائي محسن الرملي بإصدار بقية أعماله تباعاً، ومنها: رواية (قوة الصحك في أورا)، (الأعمال القصصية)، (كتاب الحُب)، العين إلى الداخل) وآخرها هذا الكتاب المتعلق بالفن الروائي (الكتابة وقوفاً).